الخميس، 15 أغسطس 2019

رجال من بني هاشم الشريف زيد بن فواز وشاكر بن زيد - شخصيات تاريخية -


حكاية كفاح مزين بمكارم الأخلاق


إنه زيد بن فواز بن ناصر بن فواز بن عون، والأمير عون هو الذي تنتمي إليه الأسرة الهاشمية الملكية، وهو عون بن محسن بن عبد الله.

أتقن الشريف زيد رحمه الله القرآن الكريم تلاوة وحفظاً على يدي شيوخ الحرم الشريف وعلى العلماء الذين كانوا يدرسون في مسجد سيدي العباس في الطائف، هذا إلى جانب دراسته في قصر والده في الطائف حيث خصص والده له ولبقية أبنائه ثلة من العلماء الأجلاء والحفاظ الكرام، فحفظ القرآن الكريم يافعاً وعرف مكيه ومدنيه وأسباب النزول ولطائف الإعراب، وكان من محفوظاته صحيح البخاري وفهم شرحه المسمى ((فتح الباري على صحيح البخاري)). ولم يترك عالماً من علماء أمصار الإسلام إلا واستضافه الشريف ليستفيد من علمه وأدبه أبناؤه الشرفاء.

كذلك أتقن علم النحو والصَّرف وحفظ أجمل أشعار العرب كالمعلقات والمفضليات، وكانت له مكتبة عامرة تضم مجموعة من المخطوطات الفريدة والنادرة.

وكان رحمه الله سمحاً كريماً لا يخلو مجلسه من الضيفان الذين تقدم له الأطعمة المعروفة عند أهل الجزيرة بالأطعمة الهاشمية والتي كان كثيراً ما يطلبها الترك المقيمون في دياره. وكان هذا الطعام يتكون من الخبز والسمن البلدي والعسل ثم اللحوم والجبن الأبيض، ثم فاكهة الموسم.

وكان أكثر ما اشتهر به من عادات السماحة والكرم هو استضافته لأبناء السبيل المنقطعين، حيث كانوا يمكثون في ضيافته، أما مريضهم فيعالج حتى يبرأ بإذن الله أو يكتب الله له ما يشاء.

ومن خصاله التي طبع عليها الشجاعة وهي الصفة التي تولد مع الإنسان، فهي ليست كسباً ولا تقليداً ويزيدها بسطة حسن التدريب والفهم وسلامة التخطيط بكمال العقل في جرأة التحقيق، وكان يزيد على هذا كله صفة الحلم التي كان يتمتع بها الشريف زيد.

وكان الشريف في وداع المغفور له الحسين بن علي يوم غادر مكة المكرمة إلى استانبول للإقامة برعاية السلطان العثماني وبجانبه وفي ضيافته فترة من الزمان، ولكنها كانت في الحقيقة إقامة جبر وإكراه، بعد أنْ خَشي السلطان ثورة الشريف إثر الشكاوى الكثيرة التي أخذت ترد إلى السلطان وإلى الشريف عن الفساد وانقطاع حبل الأمن، فقد نزل الشريف زيد مكة وطاف معتمراً وسعى، ثم دخل منزل الحسين بن علي الذي كان جهز نفسه وأهله للسفر فيعانقه طويلاً مودعاً ثم التحق به أبناؤه الأمراء علي وفيصل وعبد الله.

وتمر الأيام وما أسرعها ويصدر السلطان فرماناً بتعيين الشريف عبد الإله بن محمد بن عون أميراً لمكة المكرمة، ولكن الأجل عاجله وهو في استانبول، وبذلك يخلو منصب الإمارة بعد عزل الشريف علي بن عبد الله بن محمد، وهنا أخذ الشريف الحسين بن علي يطالب بحقه في الإمارة برسالة سطرها الملك عبد الله إلى السلطان بوساطة الصدر الأعظم كامل باشا يقول فيها: ((بناء على وفاة عمي الشريف عبد الإله بن محمد أمير مكة، بعد عزل عمي الشريف علي بن عبد الله بن محمد وخلو مقام الإمارة، ولكوني أسن العائلة الهاشمية



وأحقها بمقام الآباء، أسترحم جلالة السلطان أن يتكرم بإيصالي إلى حقي الذي لا يخفى على جلالته مع صداقتي وإخلاصي)).

وبعد هذه الرسالة توجه الحسين بن علي إلى القصر السلطاني بناء على اتصال من رئيس كتاب القصر، ويستقبله السلطان حسب الوقت ويعينه أميراً على مكة، مما أغضب حزب الاتحاد والترقي.


العودة إلى الحجاز


قام السلطان عبد الحميد بوداع الشريف الحسين بن علي لدى مغادرته استانبول وقال له: أسأل الله أن يجازي من حال بيني وبين الاستفادة من مواهبك الهاشمية، وإنني لست بالأمين على الدولة والملك من هذه الفئة المتغلبة، وهنا دعا الشريف الحسين السلطان عبد الحميد للإقامة في المدينة المنورة قائلاً له: ولو فعلتم جلالتكم ذلك وجلبتم آل بيتكم معكم لجبيت لكم الأموال ولأخضعت رقاب العصاة، لأنكم تكونون حين ذاك في متناول أيديهم، فأجابه السلطان على هذه الدعوة بقوله: أشكرك بارك الله فيك، ولكن الوقت لم يحن، ثم وضع السلطان بيده وسام الافتخار المرصع على صدر جلالته وودعه.

هذا وقد عاد الشريف الحسين إلى مكة بحراً وبمعيته الفريق عمر شاكر باشا المرافق السلطاني يحمل الفرمان بالتعيين وكذلك عبد الله بن الحسين والشريف دخيل الله العواجي، والشريف محمد الشنبري، ومدير الحرم المكي حافظ أمين والسيد صفوت باشا العوا، والشيخ محمد شاكر أفندي إمام الإمارة ورجال الحاشية وعند وصول الباخرة إلى بيروت أبرق رحمه الله إلى المدينة المنورة إلى الشيخ يوسف الخشيرم، وأخرى إلى الشريف شحادة يقول فيها: ووصلنا إلى بيروت متوجهين إلى جدة، وجهنا البيك، فتوجه بإشراف ومشايخ حرب وجهينة إلى مكة المكرمة.

ووصلت الباخرة إلى جدة ورست في مينائها وقد لبست جدة حلة الجمال والكمال والبهاء في استقبال السيد الهاشمي يقول الملك عبد الله رحمه الله: ((وكان الوصول إلى جدة في أول أسبوع من ذي القعدة 1328هـ، فأقبلت السنابك الشراعية نحو السفينة، وفيها المئات من شرفاء وعظماء ومشايخ العربان وأخذوا يدخلون على المرحوم وكلهم دامع العين شوقاً وسروراً ".

ثم كان الرحيل من جدة إلى مكة ويصف هذه المرحلة المغفور له الملك عبد الله بن الحسين قائلاً:"كانت الإقامة في جدة ثلاثة أيام، وكنا في الإحرام، حيث أهللنا من محاذاة الجحفة البحر، فتحرك الركب الأميري بعد صلاة العصر قاصداً (بحرة) وكان الركب يمثل جلال القومية في روعة وهيبة فلا تقع عينك إلا على عربي فالركاب والخيل والأزياء والأدب عربي هاشمي.

هذا وكان الشريف زيد بن فواز على رأس مستقبلي الشريف الحسين لدى وصوله جدة حيث كان يركب إلى جانبه ويسير محاذيه ومباريه في الذهاب إلى مكة.


في بيت الله الحرام:


ومن باب السلام يدخل الحسين بن علي محرماً ومعه الحاشية الهاشمية وأشياخ القبائل العربية، فطافوا بمعيته حول البيت داعين الله الواحد الأحد حامدينه بقلوب مؤمنة وشاكرين على عودة الأمير إلى ملك آبائه وأجداده. ثم أمَّ دار الإمارة وجلس مجلساً عاماً قبل أن يضع إحرامه وسلم عليه الخاصة والعامة حتى انتهوا بعد صلاة



الظهر وأعلن قاعدته في أصول الحكم عنده بقوله: ((دستور بلاد الله شريعة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)).


زيد محل مشورة


كان من الأمور التي على الحسين بن علي رحمه الله أن يعالجها هو موضوع الشريف علي بن عبد الله بن محمد بن عون رحمه الله، وكان الملك عبد الله رحمه الله قد وعد خاله الشريف علي بالإقامة في مصر مخافة نقله إلى استانبول حيث سلطة الاتحاد والترقي. ولكن الحسين بن علي رأى أن يستشير في الأمر حيث الموضوع هام وخطير للإمارة ومجريات العمل باعتباره الأمير السابق المعزول، وهنا يستدعي الحسين رحمه الله الشريف فواز رجل المواقف والتجربة والعلم والفكر والشجاعة والهجى لأخذ رأيه.

وفي المجلس الذي ضم الشريف ناصر بن علي، يتوجه الحسين بالسؤال للحاضرين فقال: ما رأيكم في علي باشا؟ هل يقيم هنا أم يسافر إلى استانبول: فقال الشريف زيد بن فواز: نحن في خدمة من يتولى الحكم منكم مقام أجداده، ولم تجرِ العادة بأن نبدي رأياً في ما يخص سادتنا فأرجو إعفائي، وما يقر عليه رأيكم فلا خلاف منا فيه.


تهمة الوالي العثماني للشريف زيد بالثورة


كان الملك عبد الله رحمه الله قاد حملة على بني الحارث لقطعهم الطريق وعدوانهم على جيرانهم، ثم أكمل بغزوة ((هذّان)) جبل بالحرة لأنهم كانوا يخيفون الحجاج ولا يدفعون الزكاة. وقد أصيب بـهاتين الغزوتين وقتل عدد من الأشراف والمشايخ والفرسان.

وإثر الانتهاء من الحملة المشار إليها وبعد وصول الوالي الجديد بأسبوع ترد مذكرة منه إلى الشريف الحسين مفادها أنه تلقى برقية من مدير الجندرمة ووكيل الوالي مضمونها أن فئة في مكة برأسها

الشريف زيد بن فواز قائم مقام الإمارة بالطائف قد عزمت على حركة ثوروية يوم الجمعة بهجوم يقومون به ضد سلطات الحكومة، ولذلك فإنه يطلب إلقاء القبض على الشريف زيد ومن معه، وسوقهم إلى التحقيق والمحاكمة.

وأجاب الحسين رحمه الله، بأنه متوجه إلى مكة المكرمة للتحقيق في هذا الأمر الذي هو بالتأكيد تهمة باطلة وفرية شائنة، ودليلها الكاذب منسوب إلى الشريف زيد بن فواز وهو المخلص الأمين والصادق الصدوق والوفي على عهده ووعده، وأن الامير قد أقامه وكيلاً للإمارة علاوة على وظيفته قائماً لمقام الإمارة في الطائف.

وعلى الفور تحرك الركب الأميري إلى مكة واستدعى جلالته وكيل الوالي/ مدير الجندرمة وقال له: ((حضرت لتحقيق ما قلت إنه ثابت لديك عن حركة مدبرة في مكة المكرمة يوم الجمعة، وإني آمر الآن بان تتألف لجنة تحقيق ترأسها أنت وقومندان العسكر وقاضي مكة المكرمة ويكون مندوب الإمارة ابني عبد الله، فامتثل وكيل الوالي، وجمع اللجنة المذكورة.

وعند اجتماع اللجنة وتحت ضغط الملك عبد الله وقوة حججه وحسن منطقه وبيانه للتناقض في أقوال وكيل الوالي ومدير الجندرمة أعلن الوالي: أن زوجته سمعت هذا الخبر من امرأة كانت تصلي معها في المسجد الحرام في جناح النساء. وكان هذا دليل إبطال التهمة حيث أن المرأة لا وجود لها ولا يمكن التعرف عليها.

وأرسل الحسين بن علي برقية بواقع الحال إلى الصدر الأعظم في استانبول وكان حينذاك سعيد باشا ووزير الداخلية رؤوف باشا، وما كاد الشريف زيد يصل الطائف حتى كان الأمر بعزل الوالي ووكيله قد وصل فغادروا الحجاز إلى تركيا.


الشريف زيد يقاتل مع العثمانيين


كتب وقيل الكثير وبغير علم ولا بصيرة في أكثر الأحيان حول ثورة الشريف الحسين بن علي على الحكم العثماني، ولمثل من يقول ويكتب حول ذلك نروي هنا بعض الوقائع التي جرت بين جيوش الدولة العثمانية وبعض الخارجين عليها، وكان الأشراف يقفون مدافعين عن الدولة ويقودون جيوشها للقتال ضد أعدائها رغم حكم بعض السلاطين الضعاف واهتزاز صورة الدولة وتحكم الحريم السلطاني في شؤون هذه الدولة مع جيوش الإنكشارية، إضافة لاقتراض السلاطين من الدول الأجنبية مما أدى لضعف الدولة وتدخل الدول الدائنة في شؤونها. ثم ما حدث في السنوات الأخيرة من عمر الدولة حينما استولى رجالات الاتحاد والترقي على الحكم وعاثوا في البلاد فساداً. نقول رغم كل ذلك وحرصاً من الهواشم على استمرار مسيرة الدولة لعل الزمن يكون كفيلاً بصلاح أحوالها، فقد قاد الهاشميون الجيوش مع القوات العثمانية للدفاع عن سيادة الدولة وحفظ أراضيها. فقد قاد الملك عبد الله بن الحسين حملة عثمانية سميت حملة أو غزوة عسير لإنقاذ منطقة عسير وحاميتها من حصار السيد الإدريسي. وكان الملك فيصل الأول رحمه الله قائداً للجناح الأيسر للقوى الهاشمية في هذه الغزوة، وكان قائد الطوابير العثمانية زكي بك الشركسي.

وكانت هذه الحملة بأمر من السلطان إلى الحسين بن علي أمير مكة. هذا وقد تراجعت القوات العثمانية في هذه المعركة بعد هجوم مضاد وسريع من قبل قوات السيد الإدريسي. وهو الأمر الذي لم يحسن التعامل معه قائد القوات العثمانية زكي بك. وكان عبد الله بن الحسين آخر من ترك الموقع متوجهاً إلى القنفذة.

ثم تكررت الحملة مرة أخرى بأمر الشريف الحسين بن علي وكان قائد الحملة هذه المرة الشريف زيد بن فواز كما كان الملك عبد الله بن الحسين أحد أمراء هذه الحملة. وكان قائد القوة العثمانية نظيف بك. كذلك كان الملك فيصل الأول من قادة القوة الهاشمية واستمرت المعركة من الليل وحتى الصباح وكان النصر بها للقوات العثمانية التي تساندها القوات الهاشمية. وبعد النصر قدم الحسين بن علي إلى أرض المعركة (قوز أبا العير) وقد سميت المعركة بهذا الاسم أيضاً نسبة إلى الموقع. وقد أثنى رحمه الله على جهود شيخ آل عون الشريف زيد رحمه الله على حسن قيادته وصبره وشجاعته. والشريف زيد أثنى بدوره على فطنة وشجاعة وبلاء الملك عبد الله بن الحسين وكذلك الملك فيصل إضافة لشجاعة الجند الهاشمي من السادة الأشراف والعرب الخلص للراية الهاشمية.

ولكن الشريف الحسين رحمه الله تألم وحزَّ في نفسه العربية ما رأى من إحراق الجنود الأتراك للقرى وتقتيل الأبرياء وتشريد الضعفاء، ورأى رحمه الله الرؤوس المقطعة ومناظر أخرى للقتلى من البشاعة بمكان، فالتفت إلى نظيف بك قائد القوات التركية وقال له: هل هذا يليق؟ وأجاب القائد العثماني: أليسوا قد حرقوا قلوبنا، وذلك أن الأتراك انفردوا بالقرى العربية فدمروها، وهذا أسلوب مرفوض لدى النفس المؤمنة، فالمقصود حركة تأديب فقط، لا تشريد وتشتيت ولا تعذيب وتمثيل. لذلك قال الشريف الحسين قولته (ليس في هؤلاء خير للعرب). ثم كانت وفاة الشريف زيد بن فواز بينما كان الملك عبد الله يرافقه الشريف شاكر بن زيد في طريقهما إلى استانبول بحراً.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Copyright © ملتقى الانوار | Designed With By Blogger Templates
Scroll To Top